by: Tahani Al-Terkate
Kuwaiti Press Attache, Washington D.C.
(Source: Hi Magazine)
مارس 2005
بينما كنتُ أحزِم حقائبي استعدادا للانتقال إلى العاصمة الأميركية واشنطن في شهر تموز/يوليو من العام 2001 لمباشرة عملي كملحقة إعلامية في سفارة دولة الكويت، لم أكن لأشعر بالخوف أو الهيبة من التعايش والائتلاف مع هذا المجتمع المفتوح. ولعل السبب يعود إلى أنني نشأتُ في مناخ من التعددية الثقافية يميّز النسيج الاجتماعي لوطني الكويت في احتضانه لثقافات الشعوب وجنسياتها، على اختلافها.
كانت تجربتي مع الولايات المتحدة الأميركية قد اقتصرتْ على معرفتي ببعض الإعلاميين الأميركيين من الذين كنتُ التقيتهم في الكويت بحكم عملي في قطاع الإعلام الخارجي كباحثة إعلامية آنذاك، وكذلك من انطباعاتٍ تشكّلت لديّ خلال زيارة وحيدة قمت بها إلى واشنطن في خريف العام 2000 لحضور برنامج تدريبي في جامعة جورج واشنطن. وهذه التجارب لم تكن كافية للتعرّف إلى ثقافة ومجتمع هذه القارة المترامية الأطراف.
تلقّيتُ علومي في بلدي الكويت في مدرسة كاثوليكية حيث تعلمت الإنكليزية والفرنسية إلى جانب العربية- لغتي الأم. معلماتي وأترابي ورفاقي كانوا يتحدّرون من جنسيات مختلفة، ونظرا لصغر سني في ذاك الوقت لم أكن لأدرك قيمة وحقيقة هذا التبادل الثقافي الذي كان يدور بيننا من حيث لا ندري. كنتُ آكل أكلاتهم الشعبية، وأحاول أن أتقن لغاتهم ولهجاتهم، وكذلك أحتفل بأعيادهم. وكانوا يبادلونني الطقوس ذاتها في جو من الألفة والتسامح بعيدا عن أيّ تمييز عرقي، أو ديني، أو قَبَلي. كنا، وبلا حدود، أصدقاء.. أصدقاء.. أصدقاء!
لقد اختزنتُ كل هذه الذكريات على غير دراية مني بأنها ستكون دروسا تمهيدية للانخراط في دنيا الواقع. ففي عام 1996 انضممتُ إلى قطاع الإعلام الخارجي في وزارة الإعلام الكويتية وعملتُ في إدارة إعلام الدول الأجنبية، تحديداً. وكان أحد مهامي هو التعامل مع الوفود الصحافية التي كانت تحل ضيوفاً على بلدي، ومرافقتها بصورة يومية. وخلال خمسة أعوام توسعت مداركي باتجاه المزيد من الفهم والاستيعاب للعالم الخارجي، وأصبح لي كوكبة من الأصدقاء الإعلاميين يعملون في مؤسسات إعلامية عالمية مثل رويترز، وCNN، وLe Monde الفرنسية، وBBC الإنكليزية... إلى أن تم ترشيحي في العام 2000 لدورة تدريبية مكثفة في الدبلوماسية العامة في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية إلى جانب اثنين من الزملاء. كانت تجربة فريدة من نوعها، فلم تكن الدبلوماسية العامة وقتها تخصصا متعارفاً عليه في الجامعات الأميركية، إلا أنه كان يلبي تطلعاتي لأنه جامع لثلاثة تخصصات في آن: السياسة، والإعلام، والدبلوماسية، الأمر الذي يتماشى مع طبيعة عملي، وأبواب طموحي المُشْرَعة.
ما يبهرني في هذه البلاد هو العديد الهائل من المؤسسات البحثية المستقلة ودورها البليغ في صناعة القرار في الإدارة الأميركية. فتخصصات هذه المراكز متباينة تغطي الشؤون الحياتية والسياسية كافة، وبحوثها ودراساتها لا تعد ولا تحصى لدرجة أنني أتمنى أحياناً أن تتعدى عدد ساعات يومي إلى ثمانية وأربعين ساعة بدلاً من أربع وعشرين ليتسنّى لي متابعة منتوج هذه المصانع الفكرية والبحثية التي لا تتوقف عن ضخ المعلومات والدراسات السبّاقة.
ها أنا اليوم أكتب لكم من أحد أروقة سفارة دولة الكويت في واشنطن أحمل رسالة وطن مؤمن بالسلام وحرية العقيدة والتعبير عن الرأي بهدف التعريف بتاريخ وثقافة قلعة صغيرة بحجمها، كبيرة بمبادراتها، في اتجاه توثيق العلاقات بين الشعوب.. إنها بلدي الكويت.
No comments:
Post a Comment